هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات تكريت مدينه العشاق ترحب بكم دائما
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صناعة الحياة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
alqeasy
عضو شاغول
عضو شاغول
alqeasy


ذكر
عدد الرسائل : 119
العمر : 59
تاريخ التسجيل : 27/07/2008

صناعة الحياة Empty
مُساهمةموضوع: صناعة الحياة   صناعة الحياة Icon_minitimeالإثنين يوليو 28, 2008 10:20 pm

المقدمة
تفرض المواقع المتقدمة الجديدة التي انتقلت إليها الدعوة الإسلامية العالمية وحازتها بفضل الله تعالى وقفة تأملية على أبنائها، يتدارسون خلالها أساليب تطوير العمل، وتجويد التخطيط، ومضاعفة الآثار الحسنة لبذلهم، والاحتفال بالمنحة الربانية الكريمة التي حباهم بها جزاء صبرهم في المحن وثبات ألسنتهم وأقدامهم فى مقابلة الفتن.
وشرط نجاح هذه الوقفة الفاحصة إنما يكمن فى استعداد نفسى لدى الدعاة للخروج من المألوف الموروث من الأساليب إذا أرشدت التجارب إلى ضرورة ذلك، وأدى النظر العقلى إلى اكتشاف خطأ .
و(نظرية صناعة الحياة) دعوة لمراجعة الرصيد، والجري مع الفهم الجديد الذي بدأنا نفهم به العلاقات الحيوية وعوامل التكثير فيها وكيفية تقلبها فى مجاريها ومساربها، وهى استثمار لحقائق علمية تعلمناها من بعد جهل، واستعمال لمفاد أسرار اكتشفناها عبر انفتاح اجتماعى عالمى طرأ على سلوكنا من بعد عزلة حجبتنا، كما أنها نتائج لمقدمات غرستها الطريقة المنهجية التي ارتضيناها والتي أحيينا بها سمتاً توصل له كبار علماء السلف من أمتنا وقادة السياسة فيها لم نكن نحيط بمعناه يوم كان نهلنا من مدوناتهم وسيرهم هامشياً، ثم انبغى لنا مع التعمق وطول اللبث مع كلامهم والتأمل فى أفعالهم، وازداد وضوحاً باقتباس من المنهجية العملية التي توجه التطور المدنى العالمى الحالى.
فوق التيار .. وفى أعلى الذرى
وتسميتنا لهذه النظرية بصناعة الحياة تعنى أننا ننظر إلى إدارة الحياة على أنه (صنعة) لها فنونها الخاصة، وتجودها الخبرة المكتسبة إذا تراكمت، كمن يشتغل حداداً فتجب عليه الإحاطة بخصائص الحديد، أو نجاراً فتلزمه معرفة أنواع الخشب.
فوجبت علينا معرفة خصائص البشر الفطرية وأسرار علاقاتهم. ولأننا نمارس (صنعة) فإن المهارة فيها تكون واجبة.
وقد نستطيع إيجاز الأمر بسؤال صيغته : كيف نمسك بزمام الحياة؟
وهذا يستدعى نزولاً إلى الساحة بأفق حضارى شامل، فيه إصلاح للأدب، وبناء للاقتصاد، وحيازة للمال، وسيطرة على العلوم، ونفاذ إلى مراكز القوة في كل قطر على مدى عالمى.
وعلى الداعية المسلم أن يفهم هذه الطبيعة ذات البعد الحضارى لعمله وخطة دعوته، ليتهيأ لها بما يوازيها، نفساً: بالصبر، وأداءً: بالعلم، واستعانة : بالمال، ورمزاً : بأطياف الجمال .
ومن أصدق ما قاله مالك بن نبى : إن قبل قصة كل استعمار هناك قصة شعب خفيف يقبل الاستخذاء، وهو مثل ضربه رحمه الله يفسر ظواهر حيوية ودعوية كثيرة، وكما تبدأ تراجعات كل حضارة بالنخر لتخلى مكانها إلى حضارة منافسة، فإن الفتن هى المقدمة التي تجعل كل دعوى تغزى فى عقر دارها. وعندنا أن هذا إن لم يكن بميزان الرياضيات ابتداء فإنه يكون بميزان العقوبة الربانية، فيكل الله تعالى الدعاة إلى أنفسهم، فيعود منطق الرياضيات انتهاءً، ليس ثمة عون ربانى ينصر القليل على الكثير، بل الواحد لا يساوى إلا واحداً ، وتضبط الصراع الاحصاءات ومعادلات الحساب، ليس ثمة جهد تضاعفه البركة،ولا خطوة يطوى لها الزمن .
الولاء ناموس الكون
وأول مكونات نظرية صناعة الحياة إنما تشير لها ظاهرة الوحدة والتناسق والتماثل فى سلوكيات المخلوقات وعلاقاتها، وهذه الظاهرة الحيوية تتجلى فى صور كثيرة، بعضها مكشوف لكل ذى عينين يراه واضحاً فى سلوك النبات والحيوان، وبعضها لا ينكشف إلا لذى علم أو ذى آلة ومختبر.
ومن أبرز ما تظهره هذه السلوكيات المتماثلة : ظاهرة متفرعة منها يمكننى أن أسميها (ظاهرة الولاء)،أو : التبعية ، أو : الانتساب، أو : التلازم، أو ما قارب هذه الألفاظ . وخلاصتها : دوران بعض الخلق فى فلك خلق آخر مصطفى وأقوى منه، بحيث يكون هذا الأقوى مركزاً للدوران، ومحوراً، أو بؤرة تتجمع حولها مخلوقات أخرى، ويكون مؤهلاً لأسر الأضعف وربطه به ومنعه من التفلت والاختيار . من ذلك ما عليه بناء الكون الواسع، وبناء الذرة مثلين غير متناهيين في الكبر والصغر.
السلوكيات البشرية تماثل السلوك الذرى
إن صورتى الذرة واللبنة الكونية تفصحان بوضوح أن (الولاء) حقيقة حيوية راسخة، ولذلك يمكن إسقاطها على العلاقات البشرية، وهذا ما يظهره التاريخ الإنسانى جلياً وتؤكده الحقبة الحالية التي نعيشها، ولذلك يؤذن لدعاة الإسلام أن يطلبوا لأنفسهم المكان المحورى ليحوزوا ولاء الآخرين.
ويحسن أن نتوقف عند معان فرعية كامنة فى ظاهرة الولاء بين المخلوقات :
(المعنى الأول) :أن الولاء يتكرر، فالقوي الآسر لغيره يستأسر بدوره لآخر أقوى منه. وأن الحائزين لولاء الناس يحتاجون آخر ينسق بينهم ويمنع التناطح والتظالم .
(المعنى الثاني) : إن العنصر المحورى إذا ازدادت قوته العلمية وملكاته وزاد اتباعه فى المرحلة الأولى فإنهم يتحلقون حوله ما دامت لذة الارتباط غامرة، ثم قد لا يواكبونه فى اجتهاده المتقدم وفكره الثاقب ولا يفهمونه، فيكون التفلت، وهو أمر يعظ بوجوب أن نسير بسيرة النمط الأوسط، وأن فرى العباقرة قد يحصل للمسلم، ولكن لا يستطيع تسويق عبقريته والعثور على متفهم لها.
(المعنى الثالث) : إن عدد الالكترونات المأسورة يتناسب مع قوة النواة وعدد البروتونات فيها، وكذلك صانع الحياة يتبعه عدد من الناس يتناسب مع مقدار علمه وقوة ملكاته، كلما زاد ذخيرة: زاد أتباعه.
(المعنى الرابع) : إن الذرة من عنصر تتتحد مع ذرة من عنصر آخر فتتكون جزئية ذات خواص جديدة، وهذه المركبات كثيرة جداً، وتتجدد الخواص مع كل ذرة مضافة، ويمكنني القول: فهذه الظاهرة هى أصل ظاهرة الحلف فى الحياة البشرية والحيوانية، حين يكون التحالف مع الشبيه والقرين والقريب، وعلى التخطيط الدعوى أن يستفيد من هذه النزعة .
على الولاء والطاعة جميعاً
وفى أنواع المخلوقات التي تحتل الفجوة الواسعة بين الكون القصى والذرة الدقيقة شواهد فوق الحصر على ظاهرة الولاء والتبعية هذه: فشمسنا منها، وربطت بها أرضنا والمريخ وزحل وبقية الكواكب السيارة، وهناك ملايين الشموس ذوات التوابع، ثم للأرض قمر تابع ولبعض الكواكب أقمار عديدة .وأسراب الطيور فى هجرتها تتبع قائداً .والحياة النظامية فى خلايا النحل والنمل مشهورة، وتكتشف الرقابة العلمية لها آل يوم جديداً مدهشاً من أحوالها وتقاسمها لأدوارها .
وقد ضربنا لك أمثلة، فانح منحى هذا فى فهم أسرار الخلق .
دقة فى التعامل ..... وسرعة فى الأداء
إن ظاهرة (الولاء) الحياتية مردفة ومقترنة بظاهرة أخرى ثانية يمكن أن نطلق عليها: ظاهرة (الحركة). وأراها كامنة فى القدر الربانى وإنما هو مترجم بشكل (رقابة ربانية) دائمة على كل حركة وسكنة فى الحياة على عدد الثوانى فهو يعلم دبيب النملة السوداء، فى الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء.
ويفترض فى كل مسلم أن يؤمن بذلك كما كان بعض السلف بقول : إنى لأعرف طاعتى من معصيتى من خلق دابتى. أى يأتيه الثواب أو العقاب معجلاً فى الساعة نفسها، غير ما يأتيه من ذلك فى بقية حياته أو فى الآخرة .
فلو أسلف مسلم حسنة فى المساء، من صدقة، أو صلاة بوقتها، أو أمر بمعروف، أو إغاثة لهفان، أو تفهيم علم، أو بذل شفاعة، أو ستر عرض، أو تخذيل عن عشر، أو خلافة غاز مجاهد، فإنه يجد ثمرة ذلك تيسيرا في كل أموره.
ثم لو أسلف سيئة فى ليلة أخرى: من غيبة، أو بخل، أوتقاعس عن نجدة، أو تأخير صلاة، أو تنابز بالألقاب، أو منع خير، أو أذى جار، أو انتصار بالباطل لزوجة فى تعاملها مع زوج صاحبه، فإنه يرى عاقبة ذلك تعسيراً في كل اموره.
ويشهد لهذه المعانى حديث أبى هريرة رضى الله عنه فى صحيح البخارى عن النبى صلى الله عليه وسلم "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".
النهاية يحتكرها المؤمن والمصلح والمظلوم
وهذه الموازين الايمانية لا تقتصر صحتها على المعنى الوجدانى فيها، وإنما تتعداه إلى معنى التكثير الفعلى فى الحياة فمن الموازين مثلاً : أن الكاذب لابد أن يفتضح. وعلينا كمؤمنين أن ننتظر ساعة يفتضح فيها من يكذب ولابد، ومن المواين "إن الله لا يصلح عمل المفسدين" وقريب منه ميزان "وأن الله لا يهدى كيد الخائنين"، وإن الخطيئة الأولى تجلب ثانية، والثانية تجلب ثالثة، عقوبة من الله، حتى يغلق القلب على ظلمة، وبعكس هذه الموازين: التوفيق الذي يحيط المهتدى والصادق وفق ميزان: "والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم" وأمثاله. وكل هذه الموازين نتداولها وكاننا ننتظر الآخرة ليحيق المكر السىء بأهله ويثاب المؤمن، وهذا جزاء من الحق، وجزؤه الآخر هو الاعتقاد بأن الحياة البشرية الدنيا محكومة بهذه الموازين جزماً، ولكن لا يرى بعضهم آثارها لأنها لا تظهر دائماً بسرعة، بل قد تمتد لفترة زمنية لتظهر، فينسى الرابط بين الفعل والعقوبة أو الثواب، ومن أمثلتها دفاع الله عن المؤمنين وفق ميزان " إن الله يدافع عن الذين آمنوا".
ويرزق من يشاء قرائن تخبره خبر الغد
والظاهرة الثالثة في نظرية صناعة الحياة (السيطرة المستقبلية)، وخلاصتها : أن الله تعالى – وهو مالك الملك والغيب والزمان – قد أذن لبعض خلقه أن يعلم بعض العلامات والقرائن الدالة على ما سيحدث فى المستقبل، من غير جزم، إذ لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، ولكن بنوع ترجيح يقذف طمأنينة فى قلب المؤمن، فيتصرف تصرفاً هادفاً متناسباً مع ما يتوقعه من الأحداث، وسبل تعليم الله تعالى لعباده علم المستقبل هذا عديدة ، بعضها يردف بعضاً ويكمله ويشرحه، ومنها:

منها : الرؤيا الصالحة، والفراسة، والإلهام الربانى للعبد المؤمن وحديث النفس، والفأل الحسن، ومعرفة علامة الدعاء الذي سيستجاب، ومعرفة علامة قبول الله تعالى لتفويض العباد إياه وتوكيلهم له سبحانه فى أمورهم.
فدعك ممن لا يؤمن بكل هذا، وآمن معي ... أخى.
نشتق فقه الدعوة من صفات الخلق وموازين القدر:
فبتسخير المؤمن لظاهرتى (الولاء) و(حركة الحياة) لخدمة مقاصده الخيرية، وبتعليم الله تعالى له سبل (السيطرة المستبقبلية) يستطيع بإذن الله أن يصنع الحياة بالطريقة التي يؤديه إليها اجتهاده أن الله يريدها ويحبها. علينا أن نفهم معركة الحياة الكبرى انطلاقاً من هذه الموازين الثلاثة .
ويجب أن يكون عملنا الدعوى موزوناً بها أيضاً، ليتم التناسق بين عملنا وعموم الكون، وإذا لم يكن ذلك حصل تناقض .فبهذه النظرية الثلاثية : نصنع الحياة .
باستثمار الولاء، وبمعرفة دور القدر فى معركة الحياة والتصدى لقدر الخير بفعل الخيرات، وبتحديد المستقبل والسعى الهادف له .
فريق البناء
كل القضية تتلخص فى سؤال صيغته: أنا مسلم، فلم لا أكون بؤرة ومحوراً ومركزاً؟ ولم لا أستقطب الناس حولى؟ .
ليس كل المؤمنين على استعداد لتقديم الطاعة، وهى الصورة القوية من صور الولاء المضاعف، وإنما الطاعة بين صناع الحياة والبؤر لتنسيق عملهم وتنظيمه، وهى بين الرواحل المذكورين فى حديث: الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة. أما عموم الناس فيفكفينا منهم الولاء، وهذا يستلزم أن يكون المسلم أسبق وأقوى وأكثر تفنناً لتدور فى فلكه وتتبعه. وإن كان الفاجر أمهر وأيقظ وأفصح : سارت خلفه .
وأنا أزعم أن كل صاحب مهنة ذى مهارة فيها، وكل عالم فى باب من أبواب العلم، وكل فنان، وكل ذى مركز مالى متميز : يمكنه أن يكون صانعاً للحياة ومحوراً تدور حوله أعداد كبيرة من الناس ويتحلقون فى ولاء قد يتعاظم إلى طاعة، مع العلم أن الشخص الموالى قد يتعدد التكثير عليه من عدد من صناع الحياة المؤثرين فى الآن والواحد.
بركة العلم الشرعى وأثره الثقيل
إن خطة الدعوة فى كل قطر مكلفة بأن تنتقى بعضاً من أنقى وأذكى منتسبيها من خريجى الكليات الشرعية، وليس ذلك بشرط، وتقيم لهم الدورات العلمية، وتفرغهم من ثقل الواجبات الادارية، وتتيح لهم الجلوس بين أيادى مشاهير العلماء، وتوفر للفقير منهم أمهات المراجع، فإذا أخرجت الدعوة فى البلد الذي تعداده عشرين مليوناً عشرين من هذا النموذج من العلماء، ووطأت لهم المنابر، والوسائل الدعوية، وانتظرتهم عشر سنوات، فإن الواحد منهم قد ينجح فى تحصيل ولاء ثلاثمائة مسلم لم يكن منهم ولاء فى السابق، كمعدل، فهؤلاء ستة آلاف هم أول رصيدها الولائى فى بنك الترجيح : ترجيح المعادلة، وإذا أذنوا فيهم فى أوقات شتى وبينوا لهم المواقف الصحيح في الأحداث التي تعرض للأمة فإن هؤلاء ستكون منهم الاستجابة، فإذا بلغت الدعوة مرحلتها المتقدمة وأفتوهم بالجهاد : كان الإسراع.
ويقوم هؤلاء الدعاة العلماء بالتأصيل للجماعة فيحفظون للدعوة أصالة الفكر وأصالة المنهج وأصالة الحوار الشورى مع الارتباط القوى بالمعانى الشرعية، ويمنعونها من تساهل وتفريط، ويعصمون أبناءها من الإفراط والغلو والتطرف.
وبمواكبة العلماء: يجب أن يكون عدد من رواد الفكر الإسلامى، ومهمتهم :التعريف بخصائص الإسلام العامة ووصفه الإجمالى، وقواعد الفقه، ودراسة التاريخ الإسلامي، مع إسقاط ذلك كله على الواقع، ومقارنة الحلول الجاهلية بحلنا الإسلامى الشامل، وبيان عيوبها ونقصها، مع العناية بذلك عناية خاصة بمشكلات البلد الذي يعيشون فيه وقضاياه واستنباط حلول مناسبة ضمن الحل الإسلامى العام. وعلى الخطة الدعويةأن تخفف عن هؤلاء الرواد بعض الواجبات الدعوية التي يمكن أن يقوم بها غيرهم، ليتسنى لهم الطواف على النوادى والجمعيات والجامعات، محاضرين ومحاورين، ويمدوا الصحافة العامة والدعوية الخاصة بالمقالات، فيكونوا بذلك من صناع الحياة وبناة الحضارة، فيمدوا بنك الترجيح –إذا هم خمسة فقط- بعشرة آلاف ولاء ، ربما.
أما الوعاظ فهم الصنف الثالث من صناع الحياة فى الخطة الدعوية
وتربيتهم أسهل، لطبيعة التعميم فى ثروتهم العلمية، ولذلك نفترض أن الجماعة يمكن أن تخرج إلى المجتمع خمسين واعظاً على الأقل، فى كل مدينة واعظ، مع تركز عدد فى العاصمة والمدن الكبيرة. ومهمة هؤلاء: الضرب على الوتر العاطفى، وتحريك المشاعر، وإنهاض الهمم، وتناول حديث الجنة والنار، والموت والقبر، والزهديات، والرقائق، والتنقل بين الآية والحديث وآبيات الشعر وقصص السلف والصالحين، وأقوال السلف ويتضاعف أثر الواعظ بتعلمه قواعد النحو، ليكون فصيحاً، وبمطالعة كتب الأدب، ليكون ثرى اللغة، وببذل تربية سلفية له، ليبرأ من الحديث الموضوع والاسرائيليات والبدع التي تكثر فى أوراق الوعظ .
إن الواعظ الواحد قد يحوز ولاء الخمسمائة فى المتوسط خلال عشر سنوات إذا استثمر تأثر السامعين به عبر اتصال فردى ورعاية خاصة، وبخاصة إذا وصلت أشرطة وعظه الأقاصى فأثرت فيمن لا يستطيع الجلوس بين يديه، وهذا يعنى إضافة خمس وعشرين ألف ولاء إلى رصيد بنك الترجيح.
كيف يحصل إيمان الناس للواعظ؟
هى معادلة معقدة لا ندرى جميع أطرافها، ولكن يمكننا أن نميز أهم رقمين فيها :
(الأول) أنه تيسير من الله تعالى، فإيمان الواعظ يجعل لسانه صادقاً، فيميز الناس نبرة الصدق بإذن الله، فيتبعون.
(الثانى) أنها فصاحة وقابلية وعلم لا يحوجه إلى تكرار المعانى، وإنما يجدد شواهده دائماً، وهذه منح من الله أيضاً يعرفها الشكور، وبعض الوعاظ يتميز على بعض، ثم الله يزيد ويبارك .
إن خطة الدعوة يجب ألا تدع الدعاة إلى أقدارهم يواجهونها، بل تصارع القدر بالقدر، وتدفع قدر الجهل بقدر العلم والجرأة على مواجهة الناس وتعليم الفصاحة: فحينها يشتغل رهط من بعد بطالة، وتتحرك طاقات من بعد تعطيل ، ولتقدمنا مرحلة فى صناعة الحياة.
وبموازاة هذا الأثر فإن الواعظين يساهمون فى إحلال التعادل مع آثار العقلانية الناتجة من كلام العلماء والمفكرين، من خلال ترطيب النفوس بنداوة العاطفيات التي هى بضاعة الوعاظ، ويصدق عليهم وصف صناعة الحياة من هذه الجهة أيضاً، ويا لها من صناعة .
حروف ومنظار ومشرط
ومن صناع الحياة أيضاً شعراء الدعوة، لأن السواد الأعظم من الناس تحركهم العواطف، وإذا كان تكثير المفكر والمفتى علمياً، فإن الشاعر يحبب للنفوس البذل، ويوجد فيها الاستعداد لركوب المصاعب.
إن فحصاً بين شباب الدعوة عن ذوى القابلية الشعرية، والتقاط عدد منهم وتدريبهم وتشجيعهم هو من الأولويات الواجبة فى الخطة الجادة، ليصفو منهم للدعوة فى القطر خمسة، من بين فحل مجيد، وآخر ممهد ومعين، ليضيف جميعهم خلال تسع سنوات من الترنم خمسة آلاف ولي إلى الرصيد، ثم ليرفعوا العدد إلى خمسين فى السنة العاشرة يوم يهتز اللواء، فتبنى أبياتهم بيوت المدينة الفاضلة.
وكتاب القصص من صناع الحياة، وأحدهم يكفيه أن يدس فى القصة جملة لتستقر فىالقلب، فيعتقدها، ومن تراكم الجمل والكلمات عبر نشر قصصصى واسع يتركب المعنى الكبير.
والفلكى فى مرصده يصنع الحياة أيضاً، وعلى الدعاة أن ينتدبوا منهم اثنين يتعلمان الفلك، والواحد يكفي، وسيقال عنه : هذا عين من أعيان الأمة حري إن قال أن يجاب، وسيتكلم فى التلفزيون والجمعيات والجامعات، وسيؤذن فى الناس من مرصده كما يؤذن الواعظ من على منبره: أن أيها الناس آمنوا، فيؤمن نصف المؤمن، ويتضاعف إيمان المؤمن، ويظل يجمع الولاء على مدى عشر سنوات حتى يزداد الرصيد سبعة آلاف، ولا تستطيع أعتى الحكومات الظالمة أن تمنعه عن اعتلاء المنصات، لهيبة علم الفلك فى نفوس الناس ولذته.
وينتسب إلى صفوف الدعوة مئات الأطباء، ولكن خمسين منهم يمكن أن يكونوا من صناع الحياة حقاً، وهم الذين تخصصوا بالجراحات النادرة فيبرعوا، فإن الجراح يجرى ألف عملية خلال عشر سنوات، على الأقل، ومع كل عملية يشكره أبناء المريض وأشقاءه وأصدقاءه وجيرانه، فإذا كان نبهاً: انتقى منهم عشرة فوطد معهم علاقته من مركز القوة، ويظل يتصل بهم تلفونياً وبالمراسلة، ويدعوهم ويؤذن فيهم أن آمنوا، وتعاونه سكرتارية نشطة فى ذلك وتقوم بتذكيره، فيحصل بذلك على ولاء واحد على الأقل منهم حتى لو أهدرنا التسعة، أى يقدم للدعوة ألف ولى خلال حياته الطبية الدعوية، أى تحوز الدعوة خمسين ألفاً عبر أذان الأطباء الخمسين من صناع الحياة، وهذه ثروة عظيمة تضاف إلى رصيد مصرفنا أعظم بها، بل بنصفها، بل بربعها.
صفحات الجمال تهدى نفحات الاجتهاد
والمهندس المعمارى من أهم صناع الحياة، فحس الجمال رزق من الله وزعه على المخلوقات من بعض ما عنده من جمال وحب للجمال، وقد سخر الله تعالى بإذنه بعض الناس أن يكونوا صناعاً للجمال، والمعمارى منهم، فهو يبنى النفوس والأذواق وجيد الطباع بمبادئ التناظر والتعادل والتناسق والتدرج والتناسب.
المدينة الجميلة جزء من الحياة، ولذلك حين يؤذن المعماريون المؤمنون فى الناس أن آمنوا، سيؤمن منهم عدد، وألف ضعفه ستكون نفسه قد تعادلت وأنكرت الشذوذ واقتربت من الإيمان، بإيحاءات الجمال التي صاغها المهندسون. يؤذنون من على عروشهم المعمارية فى آن واحد مع المؤذنين من على منابر المساجد.
إن جانباًَ من محنة الناس يكمن فى فساد الأذواق وانحراف الطباع، ولا يقبل الكفر إلا صاحب نفس معكوسة منكوسة، وسوي النفس أقرب إلى الإيمان.
إن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صناعة الحياة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: @@ الاقسام الدينيه@@ :: التوعية والارشاد الاسلامي-
انتقل الى: